الطريق الى الحركة العربية الواحدة

الثورة العربية وأداتها الواحدة

على بساط الثلاثاء 110 تونس المدرسة … تونس الدروس …! ( القوميون العرب التقدميون في تونس : دور ، ورسالة )

على بساط الثلاثاء 110 تونس المدرسة … تونس الدروس …! ( القوميون العرب التقدميون في تونس : دور ، ورسالة )

( 1 ) أعرف ، وأعترف أن الكتابة بالغة الصعوبة عن حدث مازالت تفاعلاته ساخنة على الأرض ، فالصراع “على تونس ، وفي تونس” بين قوى متشابكة محلية وعربية ودولية على أشده ، لكن هذا كله مازال على هامش المشهد التونسي الساطع فالقرار مازال بيد الشعب ، وأوراق ثورة الحرية مازالت بيده رغم المحاولات المستميتة لاختطافها ، ولعل هذا ما يميز ثورة الحرية في تونس ، ففي مثل هذه الأيام منذ 34 عاماً انتفض الشعب العربي في كنانة العرب : 18و19 يناير ، كانون الثاني ، جانفي ، من أسوان إلى سيناء ، ووضع يده على وطنه ، وركب “زين حاكمين” تلك الأيام طائرته يبحث عن ملجأ ، وبدأ يحوم داخل مصر وخارجها ، لكن الشعب الذي لم يجد في الشارع من يتقدم للمضي بالثورة إلى أهدافها عاد أدراجه إلى البيوت ، فعاد السادات إلى قصره ومن ثم إلى كامب ديفد ، لكن في تونس الحرية انتظروا أن يتعب الشعب علهم يكررون التجربة ، ولهذا مازالوا يحاولون حتى كتابة هذه الكلمات إعادة الشعب العربي في تونس إلى المنازل بأي ثمن ، علهّم يعيدون الطاغية الهارب ، أو يتم استبداله بفرخ طاغية جديد ، كانت بداية المحاولات مع الطاغية الهارب ذاته اعترف أن بطانته خدعته ، وأنه بدأ يفهم ، لكن الشعب كان بالمرصاد ، فتم تهريب الطاغية ، ثم المحاولة الثانية ، جاءوا بوزير الطاغية بقفازات من حرير يعلن القطع مع الماضي و و و ، لكن الشعب أدرك اللعبة ومازال في الشارع يعتصم ليل نهار ، وهو يؤكد أنه لن يترك البلد للطغاة واللصوص وخدم الأجانب مرة أخرى ، هذا هو جوهر المعركة في تونس هذه الأيام ، وهذا هو جوهر ثورة الحرية ، والصراع في أوجه …. المهم ، أن الشعب العربي في تونس ، رغم المآسي والألم والكوارث والتخريب والقمع الذي أحدثه الاستبداد في المجتمع ، يعرف ماذا يريد ، ولا يبدوا عليه التعب ، فعلى العكس من ذلك يزداد حيوية وإصراراً مع كل يوم يمر على ثورته ، إنه يلملم جراحه ، ويتفقد بنيانه ، ويعيد إنتاج مؤسساته الحزبية والمجتمعية ، إنه يتصلب ويقوى ، بينما الطرف الآخر يستميت في التشبث بمواقعه ، الشعب ينظم صفوفه وينتظر أن يلتحق ذنب الأفعى برأسها ، وأجهزة الطاغية الهارب تنتظر أن يتعب الشعب ، أو أن تجد وسيلة اختراق المجتمع لهزيمته والسطو على إردته مرة أخرى …

( 2 ) المحظور الثاني في الكتابة إلى تونس ، وعن تونس هو تحديد الموقع الذي نكتب منه إلى تونس حتى توضع الأمور في نصابها ، فأقول ، بما يخصني ، أنني اكتب إلى تونس وعنها من مقاعد التلامذة الذين تعلموا ويتعلمون ويستمعون بانتباه إلى هذه المحاضرة الطويلة التي يلقيها علينا باقتدار وعمق ومعرفة وتماسك وصمود هذا الشعب العربي الثائر في تونس الحبيبة ، وأعترف أنني خلال الأسابيع التي انقضت والمعبّقة بعبير الياسمين لم أغادر تلك المقاعد لحظة واحدة ، لقد أضافت لي ثورة الحرية الكثير ، فأكدت على الكثير من المفاهيم التي أثبتت الثورة صحتها ، وكانت قبل ذلك مجالاً للأخذ والرد ، كما ألغت الكثير من الأفكار والمفاهيم التي كانت سائدة قبل ذلك ، ومازالت تلك الثورة تلقي الدروس علينا ، ومازلت على مقاعد التلامذة ، وإذا كنت سأخط على “بساط الثلاثاء” بعض مما تعلمته ، فإنني سأسمح لنفسي أن أتقدم من الأخوة الأعزاء القوميين العرب التقدميين على مختلف أطيافهم في تونس الحبيبة بمداخلة مختصرة ذات خصوصية ، في ختام هذا الحديث …

( 3 ) أولاً : في الحديث عن بعض الدروس التي استخلصتها من ثورة الحرية والتي لا يمكن حصرها ، أقول ، وسأكتفي بالعناوين المهمة : 1 – لقد أثبتت ثورة الحرية تهافت المقولات التي كانت ترددها النخب العربية عن سلبية الشعب وعن حالة الاستلاب والخوف والركون إلى المستبدين ، وبالتالي فإن المشكلة كانت ومازالت في تلك النخب التي فقدت مصداقيتها وعجزت عن التعبير عن هموم الناس وتطلعاتهم ، وليست في الشعب ، وبالتالي على تلك النخب أن تعيد النظر بمواقفها بعد أن تبين أن هذا الشعب الذي كانوا ينعتونه بشتى النعوت ويتعالون عليه … قد تجاوزهم ، وعليهم أن يبحثوا عن الوسائل للحاق به ، وليس لقيادته كما كانوا يتوهمون . 2 – بات من الثابت أنه ، حتى في حالة غياب البنية الحزبية والسياسية عن المجتمع ، سواء لأسباب موضوعية تتعلق بالقمع الذي تعرضت له ، أو لخلل ذاتي في بنيانها الفكري والتنظيمي ، أو لاجتماع الأسباب ، فإن المجتمع رغم ذلك قادر على تجاوز هذه العقبة في حال تمكن من سد جميع الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها الاستبداد لتبديد وحدة المجتمع ، واختلاق صراعات وفتن بين أطيافه … 3 – بات واضحاً أن الانقلابات العسكرية لم تعد الوسيلة المناسبة للتغيير وذلك لأن تجربة عسكرة السلطة باتت ذات سمعة سيئة أياً كانت الشعارات من جهة ، ولأن المؤسسة العسكرية في السلطة الإقليمية تم تهميش دورها بعد أن انقلب العسكر الذين أوصلتهم مؤسساتهم العسكرية للسلطة فاعتمدوا أجهزة الأمن والمخابرات والحرس الخاص لحماية سلطانهم بينما عيونهم على المؤسسة العسكرية ليكون الإنقلاب الذي قاموا به هم وأولهم للسلطة آخر الانقلابات ….

4 – لقد بات من الثابت أن النظم الشمولية ليست الوسيلة المناسبة للحكم مهما حسنت النوايا وأن تلك النظم تشكل خطراً على المجتمع عامة وبالدرجة الأولى على الأهداف والغايات التي تدعي أنها تسعى لتحقيقها فتشوه تلك الأهداف والغايات مهما كانت نبيلة ، وتحّول الحرية إلى استعباد ، والعدالة الاجتماعية إلى استغلال وتوليد المافيات والفساد في سائر المجالات .

5 – في ظل تغّول الأجهزة الأمنية في السلطة الإقليمية فإن النضال السري للتغيير لم يعد مجدياً … ولن يؤدي إلا للانعزال عن المجتمع ، والعجز عن الفعل ، وتحويل الحركة السرية مع الأيام إلى أشباح …

6 – في ظل إضعاف بنية المجتمع وتجريده من المؤسسات الحزبية والسياسية والثقافية والنقابية ومن جميع عوامل القوة والمناعة من قبل نظام الاستبداد فإن أية دعوة للعنف أو ممارسته سيرتد على المجتمع فتناً وتخريباً ، ومدرسة تونس قدمت دليلاً قاطعاً على ذلك ، فقد حاول طاغية تونس قبل هروبه أن ينتقل بالصراع إلى ساحة العنف عبر الملثمين والمخربين والقناصة ، فهو يعلم أنه إذا تحولت الثورة الشعبية إلى العنف فإن أجهزته البوليسية المدربة ستتمكن بيسر من سحق الثورة ، لكن الثوار كانوا بالمرصاد فشكلوا اللجان الشعبية لحماية الأحياء والممتلكات وقد تبين أن جميع عمليات العنف والاعتداء كانت من طرف وحيد ورغم كل المحاولات بقي جهاز الطاغية هو الوحيد الذي يمارس العنف والتخريب … فسقط بالضربة الشعبية القاضية وبالتالي فإن الدرس المستفاد من تونس الحرية هو عدم الانجرار إلى ساحة العنف تحت أي شعار ، وعدم تشكيل الفك السفلي للسفاح لأنه بذلك فقط سيتمكن من الانقضاض على المجتمع ….

7 – لقد كشفت ثورة تونس بشكل جلي علاقة الداخل بالخارج بعد مرحلة طويلة من الاتهامات المتبادلة ، فهل الخارج يناصر الشعب العربي الساعي للديموقراطية ؟ ، أم يدعم السلطة المستبدة الحاكمة ؟ ، لقد جاء الجواب حاسماً من تونس ، أولاً ، لم يصدق الذين يتبنون النظام الاستبدادي في تونس ، ويدعمونه من الخارج أنه سينهار بهذه السرعة ، فصمت بعضهم على الطريقة الأمريكية ، وانبرى البعض الآخر لتقديم الدعم ، حتى الأمني “أي التدخل العسكري” على الطريقة الفرنسية ، لكن ما أن هرب الطاغية حتى بدأت المواقف تتغير ، على أية حال نريد أن نحدد موقفاً من هذه المسألة لإزالة أي لبس ، أولاً نحن بحكم مكوناتنا الحضارية العربية لا نعادي مجتمعات ولا شعوب ولا جماعات ، فنحن نعرف أن في الغرب وفي الشرق مفكرين وقوى مؤنسنة ودعاة حقيقيين للحرية والأنسنة ، لكن في هذا العالم أيضاً قوى طاغية في مجتمعاتها ومتوحشة في التعامل مع الشعوب الأخرى ، وللأسف فأن القوى الثانية هي الفاعلة والمؤثرة في التعامل مع ما يسمونه العالم الثالث ، ومنه وطننا العربي ، لأنهم أصحاب المصالح في النهب والسيطرة والفساد وقمع الشعوب لذلك فأنهم كانوا دائماً منتجين وداعمين للطغاة في الوطن العربي ، وفي العالم أجمع … فلقد أثبتت الوثائق التي تم الكشف عنها أنه لم يولد طاغية أو يقوم انقلاب استبدادي في العالم الثالث إلا ولأجهزة المخابرات المهيمنة في العالم اليد الطولى في ذلك ، وهذا يرتبّ على قوى التحرر والتغيير أن تتخذ المواقف المناسبة في ضوء ذلك ، ودرس تونس كان بليغاً في هذا المجال ، إن قوى الهيمنة الدولية لم تستسلم للهزيمة في تونس وهي شكلت غرفة عمليات طوارئ لمنع امتداد الثورة وتقديم النصائح للحكام ببعض العمليات التجميلية .

8 – لقد أثبتت ثورة تونس أن الطاغية جبان وضعيف ، إنه غول من قش ، كما أن قوى الهيمنة الدولية نمر من ورق ، عندما يمتلك الشعب قراره وإرادته يهربون من المواجهة ، لكن لابد من الحذر من محاولاتهم الالتافية …

9 – بات من الواضح أن الطاغية المستبد لا يصنع نفسه ، وإنما يصنعه المنافقون والأفاقون في الأعلام والفنون والثقافة والمؤسسات الدينية والمدنية ، وأن أول المنقلبين عليه ، عندما ينقلب ، هم أولئك المنافقين والأفاقين ، ولعل الذي يتابع مايكتبه ويقوله أولئك الذين كانوا قبل ايام يؤلهون الطاغية ، يكتشف مدى خطر النفاق والمنافقين على المجتمع ، وعلى الطغاة أنفسهم … وهذا درس بليغ لمن يريد أن يتعلم ، وفي تونس الحرية لم يفهم الطاغية إلا متأخراً أن الذين كانوا يسيّرون له المسيرات المليونية ، ويزينون له القمع ، ويوهمونه أن الشعب يموت في حبه هياماً ، وأن له حزباً جماهيرياً عريضاً يضم أكثر من مليونين من الذين يفدونه بالروح والدم … تبين أنهم كانوا يخدعونه ويسخرون منه ….

10 – لعل أهم الدروس ، وأكثرها بلاغة هو الأثر الذي أحدثته ثورة الحرية في تونس على صعيد الوطن العربي فقد أثبتت تلك الثورة وحدة المشكلات ، لقد أنعشت تلك الثورة أحلام النهوض والتحرير والتنوير في الوطن العربي بعد عقود من الصراعات العبثية والفتن المتجولة التي طغت على سطح الحياة العربية ، وبقدر ما كانت نتائج الغزو الأمريكي للعراق وما ترتب عليه من فتن مذهبية وطائفية وإثنية سلبياً ، وبات حجة بيد المستبدين لبسط الاستبداد ، وبات المجتمع ذاته يقارن بين الاستبداد وبين الفتن التي تدمر المجتمع في العراق الحبيب ، فيختار أهون الشرين ، وهو الاستبداد ، فنام المستبدون على حرير ، لكن ما حدث في تونس أيقظهم من أحلام اليقظة ، فكل ما جرى ويجري في تونس يقدم صورة معاكسة …ولعل نظرة فاحصة على مايجري في العراق يوضح ماذا فعلت الإدارة الأمريكية ، وماذا تريد من الوطن العربي ، على النقيض من ذلك ، فإن نظرة فاحصة على ثورة الشعب العربي في تونس توضح ماذا يريد الشعب العربي في الوطن العربي … باختصار شديد أن المدرسة الثورية التونسية مازالت مشرعة الأبواب ، ففي كل لحظة تقدم دروساً جديدة لمن يريد أن يتعلم ، صحيح أن الشعب العربي ينتظر بخوف وقلق الخواتيم ، يخشى على الثورة من عوامل بالغة التعقيد داخلية وخارجية ، لكن ماجرى حتى الآن كافياً لنؤرخ ليوم عربي جديد ….

( 4 ) ثانياً : عن المداخلة التي أود توجيهها إلى الأخوة الأعزاء من القوميين العرب التقدميين في تونس الحبيبة ، فبعد كل ما تلقيته من دروس لابد من الإشارة إلى ما قلته على بساط الثلاثاء الماضي ، وهو أن روحي غادرتني إلى تونس منذ أسابيع ، وقد طالت غيبتها ، لكنني أغبطها على مكانها بينكم أيها الأخوة ، وأنتم تباشرون الخطوة الأولى لبناء غد عربي مختلف ، ثم لابد من الاعتراف أن القلم ليس خير وسيلة للتعبير عما أود قوله ، لكن بما أنه الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامي ، فأنني سأستخدمه بحذر شديد قدر الإمكان …

1 – قد تعرفون ، وقد لا تعرفون أيها الأخوة الأعزاء ، أنني أعيش غربة بالغة الصعوبة ، وأن الصوت الوحيد الذي كان يخرجني من غربتي على مدى السنوات الخمس المنصرمة منذ ان غادرت زنزانتي المنفردة هو ذلك الصوت القادم من تونس ، أو من تونسيين في المغتربات ، وعندما استأنفت الكتابة عن مشروع ، وعقد للنهوض والتنوير العربي كان ذلك من وحي ذلك الصوت القادم من الغرب العربي ، وإليه ، ولا أعرف حتى الآن تحديداً من أين تأتى لي ذلك اليقين الصارم بأن تونس ستكون الرافعة والحامل لمشروع النهوض والتنوير العربي الجديد ، وبما أنكم الآن تعملون على التأسيس لهذا المشروع القومي العربي التقدمي في تونس ، فإنني على ثقة تامة بأنكم على دراية تامة بأهمية الخطوة التي تقدمون عليها ، لكنني ، ومن باب التشاور الذي يسمح به هذا القلم أقدم رؤيتي واضعها بتصرفكم ، ولكم القرار من قبل ومن بعد .

2 – أن السلطات المجاورة لتونس خاصة لا يمكن أن تقبل نجاح الثورة في تونس نجاحاً تاماً ذلك أن ما حصل في تونس شديد التأثير والعدوى ، فأما أن تنتقل الثورة إليهم ، وإما أن يحاصرونها ويجهضونها ، ويعيدون الحال إلى ما كانت عليه بطريقة ما .. ، وأعتقد أنكم تتنبهّون لذلك …

3 – إنني على دراية بما خلفته سنوات الاستبداد المديد ونضالكم المستمر في مواجهته من اختلاف في الرؤى فيما بينكم ، أدت في بعض الأحيان إلى افتراق حاد في المواقف ، الآن نحن في واقع جديد يجّب ما قبله ، ولابد من الإشارة هنا إلى أن الاختلافات في الرؤى بينكم ضرورية لتفعيل قانون الجدل الاجتماعي داخل مؤسستكم الاعتبارية التي تسعون لبنائها ، بشرط أن يحتكم الجميع للديموقراطية داخل المؤسسة ، فينفذ الجميع رأي الأغلبية ، ويحترم الجميع رأي الأقلية .

4 – لعله من الأمور بالغة الأهمية ، وأنتم تصيغون مواثيق مؤسستكم ولوائحها التنظيمية الانتباه الدقيق إلى تداول المراتب والمواقع التنظيمية داخل المؤسسة بشكل دوري ، وصارم بحيث يكون البرنامج واللوائح هي مناط الالتزام .

5 – إن جميع القوميين العرب التقدميين في تونس مدعويين للمشاركة على قدم المساواة في المؤتمر التأسيسي ، ومن يتخلف يكون ذلك بسبب منه ، وليس لأي سبب آخر .

6 – إنني أشارككم المحاذير الناتجة عن سلبيات المرحلة السابقة التي تمثلت بتجارب ُنسبت إلى المشروع القومي العربي عموماً ، وأنكم تتخوفون من أن الشارع في تونس فقد الثقة بمصداقية الشعارات التي لا تلامس هموم الناس الملحة ، وأنكم بصدد البحث عن تسمية قريبة من نبض الشارع بعيداً عن المسميات القومية ، هنا ، لابد لي من كلمة مختصرة لا مجال للتفصيل فيها ، وهي أن الخطاء والخطايا التي ُارتكبت باسم المشروع القومي العربي والممارسات السلبية ، ورفع الشعارات البعيدة عن الواقع المعاش للناس والممارسة المناقضة للشعارات المرفوعة لا يمكن معالجتها بالتخلي عن الهوية والنهج والغائية القومية ، وإنما بالتمسك بالهوية والنهج والغائية القومية العربية ، لكن ، وفي الوقت ذاته بالقطع تماماً مع ممارسات الماضي والأخطاء ، والخطايا.

7 – إن حركة النهضة مثلاً لم تتخلى عن نهجها وهي تقدم برنامجها للشعب في تونس ، وأن اليسار الماركسي لم يتخلى عن نهجه وماركسيته وهو يقدم برنامجه ، وكذلك الليبراليون ، وإلى آخر الطيف السياسي في تونس ….، فلماذا لايقدم القوميون العرب التقدميون أنفسهم للشعب العربي في تونس بصفتهم القومية تلك ، وكطليعة عربية ؟ ، أما البرنامج ، وهنا بيت القصيد ، فيجب ان يكون بعيداً عن الشعارات يعالج الهموم الحقيقية للشعب العربي في تونس ، ويضع خططاً وحلولاً لمشكلات الحرية والعدالة والثقافة والفنون والتنمية والتعليم والفلاحة والتصنيع والاجتماع وسائر مفاصل الحياة بحيث لاتوجد مشكلة يطرحها مواطن عربي في تونس إلا ويجد معالجة لها في برنامج القوميين العرب التقدميين .

8 – إن القوميين العرب التقدميين في الوطن العربي عيونهم شاخصة إليكم لإعلان القطع مع ألأساليب التي أدت إلى انحسار المشروع القومي العربي النهضوي التنويري التحرري وتقديم برنامج يلتف حوله الشعب العربي في تونس والابتعاد عن الشعارات ، لتقديم نموزج جديد للنضال القومي العربي التقدمي ينجح في تونس ويحتذى به في الوطن العربي .

9 – إن القوميين العرب التقدميين في تونس بقدر مايساهمون في تحقيق العدالة والتنمية والحرية والمساواة في تونس من مواقعهم سواء في السلطة ، أو في المعارضة ، أو من خلال التحالفات مع القوى الأخرى وبقدر ما يقدمون نموزجاً إيجابياً في تونس بقدر مايكونون يساهمون في تحقيق الوحدة العربية ولو لم يقولون كلمة واحدة عن الوحدة العربية ، وبقدر مايساهون في رفع الظلم وبناء الوطن وتحقيق الكفاية والعدل بين المواطنين العرب في تونس بقدر مايكونون يساهمون بتحرير فلسطين ، ولو لم يقولون كلمة واحدة عن تحرير فلسطين .

10 – إن ألف باء النضال القومي العربي التقدمي هو الانطلاق من الواقع كما هو إلى مايجب أن يكون ، وبالتالي ، فإن النضال في الواقع الموضوعي لبناء قاعدة نموذجية هو المعيار الحقيقي للانطلاق الحقيقي إلى الحرية والوحدة والاشتراكية على الصعيد القومي العربي …

( 5 ) أعرف أيها الأخوة الأعزاء ، أن ماجاء في مداخلتي المقتضبة هذه ليس موضع اتفاق ، وأن هناك آراء متعددة حول المسائل المطروحة ، وأنا بحكم الظروف لا أملك مواصلة الحوار معكم والدفاع عن وجهة نظري ، لكن لا بأس ، فأنتم الآن في ظروف موضوعية تتيح لكم الحوار حول جميع المسائل بحرية وتصادق ، المهم أن يكون الحوار مفتوحاً ، وبناء ، بحيث تطرح كل مسألة على حدة ، وبعد مناقشة كافة الآراء والمقترحات ُتطرح على التصويت فينفذ الجميع قرار الأغلبية ، ويحترم الجميع رأي الأقلية ، إن ممارسة الديمقراطية داخل مؤسساتكم هو التعبير عن مصداقيتكم في الدعوة إلى الديمقراطية ين مختلف أطياف الحراك السياسي ، وأنا على ثقة أنكم ستختارون الخيارالأفضل لكم ، ولنا ، إن أبناء الأمة العربية جمعاء يتطلعون إليكم ، فعندما يتم طرح أية مسألة في تونس ، نواجه بالسؤال : ما هو موقف إخوانكم القوميون العرب التقدميون في تونس من مسألة كذا …؟ ، وهذا يرتب عليكم مسؤوليات جسام إضافية ،لكنني على ثقة : أنتم لها ، أمنياتي لكم ، وقلبي معكم ، وروحي عندكم ، وقبلاتي لرأس كل واحد منكم فرداً ، فرداً . دمشق : الثلاثاء – 25\1\2011 حبيب عيسى

أضف تعليق