الطريق الى الحركة العربية الواحدة

الثورة العربية وأداتها الواحدة

عبد الناصر والسودان – عمرو صابح

عبد الناصر والسودان

عمرو صابح

يوجه البعض الآن اتهامات باطلة للرئيس جمال عبد الناصر بخصوص انفصال مصر والسودان في هذا المقال سنستعرض ما يثبت أدلة بطلان تلك الاتهامات.
يقول السيد/ محمد فائق في كتابه أن الثورة المصرية عام 1952 بالنسبة لقارة أفريقيا بمثابة الثورة الفرنسية بالنسبة لقارة أوروبا، قبل الثورة لم تكن لمصر علاقات خارجية بدول القارة الأفريقية ماعدا أثيوبيا والصومال وجنوب أفريقيا، ولكن بعد الثورة وتطبيقا لرؤية الرئيس عبد الناصر التي شرحها في كتابه (فلسفة الثورة) عن الدوائر الثلاثة المتداخلة التي سوف تتحرك فيها السياسة المصرية
الدائرة العربية والدائرة الأفريقية والدائرة الإسلامية،كلف الرئيس عبد الناصر، السيد/ محمد فائق أن يقوم بدراسة أوضاع القارة وأن يتصل بكل حركات التحرير الأفريقية، وأن يقيم علاقات مع الطلاب الأفارقة الذين يدرسون بالأزهر الشريف، ومع الحجاج الأفارقة الذين يصلون لمصر قبل توجههم للأراضى المقدسة، ويقول السيد/ محمد فائق أن الاتصالات قبل قرار تأميم قناة السويس وخروج مصر منتصرة على قوى العدوان الثلاثى كان تتم بصعوبة، ولكن بعد حرب 1956 تغير الوضع وأصبح زعماء حركات التحرير والثوار الأفارقة هم الذين يسعون إلى مصر وإلى جمال عبد الناصر الذي أصبح بالنسبة لهم ملهما وزعيما قادرا على مجابهة قوى الاستعمار،فقد كبرت مكانة مصر لدى الأفارقة عندما قدمت لهم نموذجا جديدا للتحرر عبر استخدام القوة المسلحة أثناء مباحثات الجلاء ثم عبر تحدى قوى الاستعمار بتأميم القناة.
وهنا يؤكد السيد/ محمد فائق على صحة وجهة نظر الرئيس عبد الناصر فيما يخص عدم ضم السودان بالقوة إلى مصر، ويضيف فائق رغم سعى مصر للوحدة مع السودان وبذلها كل المستطاع لتحقيق ذلك إلا أن إصرار السودانيين على الاستقلال جعل عبد الناصر يوافق على مضض، وتكون مصر أول الدول التي تعترف باستقلال السودان، وكما يقول فائق كان لهذا القرار أثر هائل على صورة مصر في أفريقيا لأنها رفضت حق الفتح ومنحت السودانيين حقهم في تقرير مصيرهم، كما قرر الرئيس عبد الناصر استمرار عمل المؤسسات التعليمية والثقافية المصرية في السودان، كما ترك أسلحة الجيش المصري هدية للجيش السوداني، ويرى السيد/ محمد فائق أنه لكل ذلك عندما قرر الرئيس عبد الناصر بناء السد العالي لم يجد ممانعة من حكومة السودان التي وقعت مع مصر اتفاقية 1959.
وفي حوار صحفي للسيد/ محمد فائق حول موضوع السودان كانت تلك إجاباته:
ما حقيقة انفصال مصر عن السودان وكيف تم هذا الانفصال؟
محمد فائق : قبل قيام الثورة كان الملك فاروق قد توج نفسه أسميا ملكا لمصر والسودان، بدافع من تأييد القوى الوطنية وللعلاقة التاريخية بين مصر والسودان والترابط الأسري، وقد نحت الثورة منحى مختلفا وذلك لوجود تيار كبير جداً داخل السودان يعارض الوحدة مع مصر.
بريطانيا وأمريكا تغذيان هذا التيار وتحثانه على ضرورة الانفصال عن مصر، وعبد الناصر قبل فكرة تقرير مصير السودان في مفاجأة أذهلت الاستعمار الإنجليزي.
وقبل عبد الناصر بهذه الفكرة لإيمانه بأن فكرة حق “الفتح” باتت أمرا
لا يتماشى مع روح العصر، رغم إيمانه بأهمية الوحدة في وادي النيل، لكن من منطق أن تأتي الوحدة بإرادة شعبية جامعة وليس إكراهاً، وهذه النقطة حكمت علاقة الرئيس عبد الناصر بكل مشروعات الوحدة التي أتت بعد ذلك، لأنه كان يؤكد ضرورة أن تكون هذه الوحدة لا إكراه فيها ولا حتى شبهة إكراه، لكنها وحدة تقوم بإرادة الشعوب، وكان السبب الأساسي في ذلك أن عبد الناصر أراد إدخال تقرير مصير السودان في مفاوضات الجلاء مع الإنجليز عن مصر، لأنه كان ينظر إلى ضرورة تحرير السودان من الاستعمار الانجليزي أيضا، لأنه لا معنى لأن يخرج الإنجليز من السويس (مصر) ويبقوا في السودان، وبالإضافة إلى أنه سواء كان السودان في وضع الوحدة مع مصر أو قرر مصيره بالاستقلال فإن أمنه بالنسبة لمصر مهم جدا، وإذا ظل متحدا مع مصر فسيكون هناك 7 حدود إفريقية أخرى واقعة تحت الاحتلال، وكان ذلك دافعا لدخول مصر في مواجهة شاملة مع الاستعمار، ففرنسا كانت موجودة في تشاد وإفريقيا الوسطى، وانجلترا موجودة في كينيا وأوغندا وبلجيكا موجودة في الكونغو.
الأمر الثاني كان عبد الناصر ينظر إلى أمن السودان من خلال حدوده لدول إفريقيا، وهو ما أدخل مصر في مواجهة شاملة مع الاستعمار القديم، وبالفعل بعد فشل عدوان عام 1956 انتهت الإمبراطورية البريطانية.
سؤال: بعد الانفصال هل تخلت مصر عن عمقها الاستراتيجي في الجنوب؟
محمد فائق : لا طبعا، بدليل أنه بعد 1967 تم نقل الكلية الحربية إلى الخرطوم وأنشأنا مطاراً هناك، وهو ما يعني أن السودان ظل هو العمق الاستراتيجي لأمن مصر، وقد عملت مصر “الثورة” على إقامة علاقة قوية ومتينة مع السودان ودول إفريقيا وساهمت في تحرير تلك الدول من الاستعمار.
مصر كانت ترغب في الوحدة لكنها كانت تأمل في تحقيقها عبر إرادة شعبية، غير أن حزب الاتحاد الوطني السوداني بقيادة إسماعيل الأزهري سعى إلى الاستقلال، فبادرت مصر بالاعتراف بالسودان كدولة مستقلة حتى تكسب مزيداً من الصداقة والعلاقة مع السودان، بل واستمرت في دعم الاستقلال باعتبار أن تأمين السودان هو بوابة مصر والثورة للدخول إلى إفريقيا لمساندة حركات التحرر من الاستعمار.
وفي نفس السياق يذكر المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقي الحقائق التالية عن مصر والسودان أن الإنجليز منذ أن احتلوا مصر (1882) فرضوا سيطرتهم على السودان، وترضية للخديوي عباس حلمي الثاني حتى يبتعد عن مصطفى كامل أبرموا اتفاقيتين لحكم السودان ثنائيا بين مصر وإنجلترا (في 19 يناير، 10 يوليو 1899) وكان في حقيقته حكما إنجليزياً خالصاً وليس ثنائياً، لأن إنجلترا تختار الحاكم العام للسودان وهو إنجليزي وخديوي مصر يصدر أمر تعيينه. هذه واحدة أما الثانية فإن إنجلترا انتهزت فرصة اغتيال الجنرال لي ستاك سردار الجيش المصري في السودان (19 نوفمبر 1924) لتخرج الجيش المصري من السودان. وظلت الحكومات المصرية تطالب بعودة الجيش المصري للسودان في معظم المفاوضات التي جرت مع بريطانيا من 1927 إلى 1936 دون جدوى.
وأما الثالثة فإن مصطفى النحاس عندما ألغي معاهدة 1936 في 8 أكتوبر 1951 ومعها اتفاقيتا الحكم الثنائي للسودان أعدت حكومته مرسوما بمشروع قانون بأن يكون للسودان دستور خاص تضعه جمعية تأسيسية تمثل أهالي السودان. فما معني أن يكون للسودان دستور بأيدي أبنائه.. هل يعني تبعية لمصر أم استقلالا؟ وما معنى كلمة النحاس في هذا السياق؟
والرابعة أن بريطانيا اشترطت في مارس 1953 للدخول في مفاوضات مع حكومة يوليو بشأن الجلاء أن توافق مصر على مبدأ استقلال السودان بمقتضى استفتاء.. فهل كان يتعين علينا أن نرفض استقلال السودان الذي ضمه محمد على لولايته بالقوة في 1822.. وهل من اللائق أن تقوم ثورة في مصر تطالب بالجلاء والاستقلال وتمنعه عن أهالي السودان.
ويرصد السيد/ محمد فائق في كتابه مساعدات مصر لكل دول القارة الأفريقية من أجل تحريرها من الاستعمار، كما يتناول الدور المصري الهام في تقديم كل المساعدات الاقتصادية والدعم السياسي لكل دول أفريقيا بعد تحررها من الاستعمار، ويركز فائق على الدور المصري في الصومال في القرن الأفريقي لأهميتها القصوى لمصر وللملاحة في قناة السويس وهو ما نعانى منه الآن بعد تفكك الدولة في الصومال وظهور عصابات القراصنة،وفي الكونغو أحد دول حوض النيل، كما ينوه فائق للأثر الضخم الذي كسبته مصر من دعمها لثورة الجزائر.
كما يوضح لنا السيد/ محمد فائق لم تتأخر مصر في دعم ومساندة كل حركات التحرير في القارة الأفريقية، كما قامت ببث عشرات الإذاعات الأفريقية الموجهة باللغات المحلية للأفارقة وفي عام 1963 ينشئ الرئيس جمال عبد الناصر مع قادة أفريقيا منظمة الوحدة الأفريقية ويجعل عبد الناصر مقرها في أثيوبيا إرضاء لشعوب أفريقيا على اعتبار أن شعب أثيوبيا أسود مثلهم، والأهم إرضاء الإمبراطور الأثيوبي هيلاسيلاسى الذي كان يحاول بين وقت وأخر الاحتجاج على مشروعات المياه المصرية والسد العالي.
كما يذكر فائق الدور الهائل لشركة النصر للاستيراد والتصدير التي أنشئت بقرار من عبد الناصر لربط مصالح دول أفريقيا واقتصادها مع مصر وكان لديها فروع في 25 دولة أفريقية،كان هناك وعى بأهمية دور مصر في أفريقيا وأهمية دول القارة في دعم المحور الاستراتيجي المصري، فلا خلاف حول أهمية السودان ومنطقة الحزام الاستوائي وغرب وجنوب أفريقيا لمصر. وكانت شركة النصر إحدى وسائل السياسة المصرية في تحقيق هذا الهدف عبر دعم التعاون الاقتصادي والتجاري مع تلك الدول، وبخاصة بعد انتهاء العدوان الثلاثي حين سعت مصر لدعم وجودها في أفريقيا لمواجهة الاختراق الإسرائيلي الذي كان بمثابة يد الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق مصالحها في القارة السمراء بعد الانسحاب الصوري للاستعمار من دول القارة سواء كان بريطانياً أو فرنسياً
ويكشف فائق في كتابه الدور المصري في طرد إسرائيل من أفريقيا، وقطع معظم الدول الأفريقية لعلاقاتها مع إسرائيل عقب حرب 1967.

أضف تعليق