الطريق الى الحركة العربية الواحدة

الثورة العربية وأداتها الواحدة

من أفغانستان إلى العراق.. فسوريا؟ من داعش”المعتدلة“.. تمكينا.. انتهاء بداعش ”المشيطنة“ تدميرا؟

nabil nayli

نبيل نايلي

 ”سنكون على استعداد لضرب أهداف تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا بما يُقلّص قدراتها..لن نعتمد إستراتيجية حملة”الصدمة والترويع،  Shock and Awe“، لأنّها ببساطة ليست ملائمة. سأنصح الرئيس باستخدام قوات برّية لو تطلّب الأمر أو في حال فشل التحالف.“ رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي.

 مرة أخرى، تعود الولايات المتحدة الأمريكية إلى حربها “الدائمة”، Perpetual War، على “إرهاب مُستجد”! مرّة أخرى، وبفضل بعبع من كانوا يُكنّون ب”فرسان الحرية” ليتحوّلوا ذات 11 أيلول 2001 إلى عنوان “محور شر، Axix of Evil”، ما مكّن الإمبراطورية المترنّحة في عزّ قلق نهاياتها، على حدّ قول نعوم تشومسكي، من غزو أفغانستان، وتدمير مُمنهج للعراق وخلق المناخات والبؤر لمن كانت تدّعي محاربتهم ليتناسلوا وهي من فرّختهم. فإذا القاعدة التي كانت تملك مجرّد مقرّ في أفغانستان، يصبح لتنظيمها وتفريعاته، بين عشية وضحاها، أكثر من عشرة مقرّات في المنطقة والعالم، آخرها أعلن الظواهري عن فتحه في الهند! وإذا داعش التي سُمح بتمدّدها وشُجّع على تسليحها وتمويلها وبسط نفوذها، يتضاعف مقاتلوها من 10 آلاف أو يقلّ، إلى ما يزيد عن ال30، بعض التقارير تحدّثت عن 70 ألف! بعضهم انضم للتنظيم بمجرّد سماع خطاب أوباما وعقده العزم على توسيع نطاق الغارات الجوية ضد التنظيم لتطال معاقله، شمال سوريا وشرقها.  والعدد مُرشّح للزيادة.

 إستراتيجية “إنهاك وإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الاسلامية، Degrade, and ultimately Destroy”، تسرّبت أغلب نقاطها قبل خطاب أوباما، أو كان معمولا بها حتى من قبل صياغتها في نص رسمي، جاءت رفعا لحالة التعبئة الداخلية ومحاولة يائسة لتسويق عدوان جديد، بعناوين باهتة، لا تتغيّر منها سوى الأغلفة وبمسوّغات كان يُعدّ لها منذ البدء في شيطنة من كانوا يوصفون بال”معتدلين”. دعكم من العناصر المكرورة التي يُردّدها ببغاوات الإعلام وعرّابو السياسات الأمريكية، ومن صدى الإسطوانة المشروخة “لحرب الولايات المتحدة المستدامة “لمكافحة” إقرأ الإستثمار في  الإرهاب، ولتركّزوا على أخطر ما ورد في خطاب إعلان الحرب الناضح بعبارات وشعارات “زحف العلم، The March of the Flag” لصاحبه، السيناتور ألبرت بيفردج Albert Beveridge، القائل : “نحن لا نستطيع أن نتهرّب من مسؤولية وضعتها علينا العناية الإلهية لإنقاذ الحرية والحضارة، ولذلك فإن العلم الأميركي يجب أن يكون رمزا لكل الجنس البشري”! عبارات وشعارات لا تخجل مما كان يرد بخطب جورج بوش العصماء  وزمرة المحافظين الجدد.

 أخطر ما ورد بالخطاب وما جاء ب”الإستراتيجية” وهذه الحرب التي يُحشّد لها وتُقرع طبولها، وتُعقد من أجلها المؤتمرات، نوجزه في النقاط التالية:

 ما عجزت عنه آلة الزيف الإعلامي وصناعة وهندسة الرأي العام، Manufacturing Consent، وإستراتيجيات تستأنس بمقاربات”الأسلحة الصامتة للحروب الهادئة، Silent Weapons for Quiet Wars“، لتسويق التدخّل العسكري والعدوان على سوريا، ذهب حدّ تمكين بعضهم من أسلحة دمار شامل، وثّقها فريق كارلا دل بونتي، Carla Del Ponte، وتجاهله الجميع، وفّره بعبع داعش، فرسالة “ملاحقتهم في سوريا كما في العراق” أكثر من واضحة، إلاّ لمن يتعامى أو يمارس حالة إنكار مزمنة! أما من كانت ذاكرته ضعيفة فلا بأس بشحذها بما جاء بخطاب صاحب جائزة نوبل، حين يقول:”قمنا بتسريع مُساعداتنا العسكرية للمعارضة السورية، وأدعو مرة أخرى الكونغرس أن يقدّم لنا والموارد الإضافية لتدريب وتجهيز هؤلاء المقاتلين في مكافحة داعش..لا يمكننا الاعتماد على نظام لن يستعيد أبدا الشرعية التي فقدها”! لو أضفنا إلى ذلك عودة لازمة أسلحة  الدمار الشامل الكيماوية، القديمة، على لسان جون كيري، “نعتقد أن هناك أدلة على أن الأسد استخدم غاز الكلور” المحظور استخدامه كسلاح، وعليه فإنه انتهك معاهدة حظر الاسلحة الكيميائية”، نكون فعلا بصدد اللمسات الأخيرة لمسوّغات العدوان .

 ·       التنصّل ووبمباركة رسمية عربية من مسؤوليات جرائم حرب العراق وتدميره الممنهج، مرورا باليورانيوم المنضّب إلى فظاعات سجن أبي غريب فغوانتنامو، فإطلاق يد كل من هبّ ودبّ ممّن تمّ توظيفهم في حرب الوكالة، فضلا عن التنصّل من “أبوة” هذه التنظيمات ومشتقّاتها والظهور بمظهر من يحاربها والحريص على أمن العراق والمنطقة وهم من حوّلوها إلى هشيم للدول الفاشلة ومرتع لأدوات فوضاهم غير الخلاقة!

 ·       العودة إلى الحديث عن صفة “الاعتدال” من عدمها، ما دام الإعتدال يغدو ك”الإرهاب” تماما، ملكية حصريّة ولقب أو تهمة تُمنح وفق المعايير التي لم تتغيّر إلاّ متى تغيرّت مصلحة الإمبراطورية المترنّحة!! أ لم تكن داعش معتدلة حتى تجاوزها الخطوط الحمر التي أُريد لها أن تقف عندها؟؟؟ سوريا مقبلة على أيام عصيبة!! وما لم يتحرّك محور معارضة العدوان ومن نزعوا فتيل الضربة الأولى التي قُويضت بالأسلحة الكيماوية، سيجد من يتربّص بسوريا الذريعة وإن اختلقها.

 ·        رغم أن المسلخ الطائفي الذي اتسع أطلسه وتضاعف عدد ضحاياه على امتداد رقعة هذا الوطن المستباح، من مشرقه إلى مغربه، إلاّ أنّ مهندسي وعرّابي مخطط تفتيت المفتّت مصرّون على الزجّ بالخليج المتهافت أصلا إلى محرقته أيضا، ما دام صار أوباما “إماما سنّيا” يُطالب بتحشيد ضحايا داعش من “السنة” لمقاتلة داعش، ثم وهو الأخطر حديث مسؤولين أمريكيين بارزين عن ترحيب أوباما بإستضافة المملكة العربية السعودية بعثة أمريكية لتدريب مقاتلي المعارضة السورية داخل أراضيها!

 ·       هذه التسريبات التي تتحدّث عن توجيه ضربات داخل الأراضي السورية تحت ذريعة ضرب مواقع داعش لتستهدف دفاعات الجيش السوري، وتقديم أسلحة إستراتيجية لمن تُسميهم واشنطن”معارضة المعتدلة“، من بينها صواريخ مُضادّة للطائرات التي يمكن أن تشّل قدرات السلاح الجوي السوري!

 ·       كذلك التقارير الأمنيّة الروسيّة التي تؤكّد أنّ الحرب المزعومة ضدّ التنظيم، “ليست سوى مخطّط حبكته واشنطن مع تلّ أبيب، رافعته الأساسية الأردنّ وتركيا، وأحد أهدافه دفع مقاتلي “داعش” تدريجيّا من العراق باتجاه سوريا، مشيرة الى انّ غرفة العمليّات المركزيّة للتحالف الدولي ستُدار من الأردن”!

 ·       استحضار استراتيجية “الجندي المثقّف” جنرال حرب مكافحة التمرّد، The COIN، وصاحب فكرة “الصحوات”، ديفيد بتريوس، التي ستتولّى مهمّة قتال داعش على الأرض، والتقدم للاستيلاء على المناطق التي ينسحب منها الجيش السوري وداعش. فهذا أوباما كما يقرّر الاستعانة بالجنرال جون ألن، المتقاعد الذي كان قد شغل منصب قائد القوات الأمريكية في أفغانستان وعمل في محافظة الأنبار في العراق بين عامي 2006 و2008، ليتولّى مهمة “جنرال الصحوات”، وليس لتنسيق “الجهود الدولية في الحملة الجديدة ضد الإرهاب في كما تقول الرواية الرسمية!

 ·       الآن وقد حان قطاف استراتيجيات الصدمة والترويع التي تجعل ضحايا الإرهاب الدولي يطالبون من مارسه عليهم، ولا يزال بالتكرّم والتفضّل عليهم باحتلالهم و”تخليصهم” ممّا زرعه بينهم وهم شاخصون!

أ لم يعد لزاما أن تدفع المحميات من مالها ومن دم أبناء هذه الأمة الثكلى، بعد أثمان عمليات الابتزاز التي لا تنتهي، لتمويل، حروب إمبراطورية الشر المحض، من أفغانستان إلى العراق؟ من داعش”المعتدلة“، تمكينا، انتهاء بداعش ”المشيطنة“تدميرا؟؟!!

 إذا كان بعبع القاعدة قد قدّم العراق الذبيح على طبق من ذهب، فهذا بعبع داعش يكاد يقدّم سوريا قربانا هي الأخرى…

 من تعذّر عليه فكّ شفرة الرسائل، عليه أن يُعيد التمعّن في تصريحات وخطوات الإدارة الأمريكية وحلفائها المصرّين على االعدوان. التدخّل الأمريكي لمن يستعجله أو يتذمّر من تباطئه حصل مع أول دفعة سلاح سُلّمت ومع أوّل كتيبة من مسلّحي حرب الوكالة، أما الضربة المرتقبة، فلن تكون إلاّ تعزيز″الأصيل” لل”وكيل”! الضربة العسكرية التي أُجّلت لاعتبارات عسكرية ودبلوماسية وإستراتيجية أمريكية وإقليمية ودولية، يجمع عليها أغلب الإستراتيجيين الأمريكيين، وإن اقتصر أمرها على مجرّد “الحفاظ على الهيبة والمصداقية، Maintaining Credibility. السؤال ليس هل هناك ضربة أم لا، بل الأسئلة هي متى وما حجمها ومضاعفاتها؟ لا يجب مطلقا سوء تقدير الموقف الأمريكي، أو اعتبار أنّ العاصفة مرت! ذلك خطيئة كبرى، وخيار إنتحاري. سورية يجب أن تبقى على أهبة الاستعداد ويدها على الزناد لمواجهة كل التحدّيات وكل السيناريوهات، مهما تضاربت الأقوال والتصريحات وتعدّدت مناورات ترسانة الحرب النفسية. في الأثناء يتذلّل بقايا نظام سايكس-بيكو كما لا يُمانع من تجشّأ “حكوماتهم” ربيع مغدور،  ويستصرخون جلاّدهم المستعمر، التدخّل فيتمنّع ليفرض عليهم قسمته الضيزى، شروطاً تصادر أو تُلغي السيادة وتُشكّل الحدود وترسم خرائط الدم، لأرخبيلات المذهبيات والطائفية “المحرّرة”، دون أن تهتزّ لهذه الجماهير قصبة! فأي “وطن” سيولد؟ والقابلة والمشرط بتلاوين صهيو-أمريكية؟!.

 هل سيترحّم الجيل القادم على تقسيمات سايكس-بيكو، ونظامها؟؟

 يا سادة، حين تُخيّر أمة بأسرها بين الإنتداب أو الفوضى مع وقف التنفيذ، ويصير الإحتلال مطلباً “ثوريا”، نكون فعلا قد لامسنا حافة الهاوية! شعب يتلظّى ووطن يتشظّى! نعم، الأمم لا تموت، إلاّ إذا وقّعت بنفسها وصية انتحارها!

*باحث في الفكر الإستراتيجي، جامعة باريس.

أضف تعليق